إيران وإسرائيل.. صراع على الاستحواذ

تثير الأحداث الأخيرة التي اغتالت فيها إسرائيل عدداً من القادة الإيرانيين، وعلى رأسهم العميد زاهدي، والرد الإيراني المتمهل والمعلن عنه، ومن ثم الرد الإسرائيلي الخفيف على أصفهان، والذي وصفه بن غفير “بالرد المسخرة”، ولم تعترف إسرائيل به رسميا بعد، تثير هذه الأحداث الكثير من التساؤلات والشكوك وفي نفس الوقت تنبه إلى إشكالات سياسية ولوجستية معقدة. فما أن أرسلت إيران مسيراتها واطلقت صواريخها باتجاه إسرائيل حتى هبت القوى الجوية الأميركية والبريطانية والفرنسية لإسقاط معظمها، وأصبح الدفاع عن أمن إسرائيل الأولوية القصوى والشغل الشاغل لأميركا وأوروبا. أما الحرب الهمجية لإسرائيل على غزة والضفة منذ أشهر بل سنوات، واعتداءاتها المستمرة على سورية ولبنان، فلا يدعو للاهتمام. 

لقد أصبحت المنطقة مسرحا مفتوحا للقوى الإقليمية القوية (تركيا وإسرائيل وإيران)، وللقوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة وحلفاءها وروسيا وذلك كنتيجة لتشتت الدول العربية إثر تفكيك كل من العراق وسورية بسبب طبيعة الإدارة في كل منهما والتآمر الأميركي الإسرائيلي، وبعد أن أخذت مصر خطا محايدا بالكامل بعد أن كانت محركا رئيسيا في الأحداث. 
ومن منظور إستراتيجي، لا تعتبر إسرائيل إيران خصما، وإنما منافس رئيسي لها على النفوذ وعلى الأراضي وعلى الحركات الوطنية في الهلال الخصيب، ومن الممكن التفاهم غير المعلن معه. في حين ترى الولايات المتحدة أن دولة بحجم إيران وامكاناتها وتطلعاتها النووية من الأولوية استيعابها، دون الدخول في صراع مفتوح معها. وترى إسرائيل وخاصة نتنياهو في إيران “وحشاً” يمكن به إثارة الخوف لدى دول المنطقة من جهة ، ومحركا للدول الغربية للاصطفاف الدائم مع إسرائيل ودعمها بالسلاح والمعدات والمساندة إذا واجهت أي تهديد من جهة ثانية.ولذا التزم نتنياهو بسياسة استفزاز إيران وترويج شعار التهديد الإيراني. وساعده في ذلك سياسة إيران نفسها تجاه الدول العربية. وتوصل باراك أوباما، وسط تأييد عالمي واعتراض إسرائيلي، إلى اتفاق نووي مع إيران عام 2015، وتوجه لرفع العقوبات عنها. وهذا كان عكس ما تريده إسرائيل. وبمجيء ترامب الصهيوني الولاء ألغى الاتفاقية مع إيران وأعاد المقاطعة والعقوبات، وأذكى الخوف العربي من التهديد الإيراني.
أما إيران فقد عملت بدهاء وقوة للسيطرة على القرار السياسي والاقتصادي في أربع عواصم عربية(دمشق، بيروت، بغداد، صنعاء) من خلال قواتها وقوات حزب الله وميليشياتها غير الرسمية والانقسام الشيعي السني، وعمدت إلى تسليح الحوثيين وتقديم مساعدات لحماس في قطاع غزة. ومع طوفان الأقصى انطلق حزب الله في لبنان بصواريخه على الشمال الإسرائيلي ليكبده بعض الخسائر، مما شكل دعماً معنوياً للمقاومة الفلسطينية في غزة.
وهنا لا بد من التأكيد على عدد من النقاط على النحو التالي اولاً: أن لا دولة تحرر أوطان الآخرين بغض النظر عن العقيدة أو العرق أو الجوار، ولا دولة تقاتل من أجل دولة أخرى إلا إذا كانت صنيعتها وتحرس مصالحها.ثانيا أن نتنياهو اليوم، وبعد فشله في تحقيق أهدافه في غزة، يريد بإصرار التعرض لإيران واستفزازها تكتيكيا للرد حتى يهرع الخماسي الاستعماري (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا) لمساعدة إسرائيل بصد الهجوم الإيراني والتوقف عن انتقاد إسرائيل، بينما يستمر في حربه الوحشية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس. وهو بهذا يستعمل رد الفعل الإيراني كعنصر مشاغلة للتحالف الغربي، وستار يغطي عدوانه المتواصل، ويعطي نفسه وحكومته شيئا من الإنجاز بأنه يتصدى لإيران، في حين أن الخماسي الاستعماري هو المتصدى الرئيسي.ثالثا: بسبب عدم وجود حدود مشتركة مع إيران فلا بد للمسيّرات والصواريخ أن تعبر أجواء الدول المجاورة وفي مقدمتها الأردن وسورية والعراق والسعودية، ومثل هذا العبور من شأنه أن يشكل انتهاكا لسيادة هذه الدول وبالتالي يخلق حالة من التوتر تصرف الانظار عن جرائم إسرائيل في غزة والضفة.إلا أن الأردن كشف بكل صراحة المراوغة الإسرائيلية وأكد أن لا بديل عن الوقف الفوري للحرب العنصرية على غزة 
واستقلال الشعب الفلسطيني وانتهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
رابعاً: ان الرد الإيراني على تواضعه حمل إسرائيل الى “المربع الكاذب الدفاع عن النفس” الذي تتمسح به الصهيونية لتغطي كل الاعتداءات الإسرائيلية، وتجد فيه دول الخماسي الاستعماري مبرراً أمام شعوبها للاصطفاف مع اسرائيل باستمرار. خامسا ان فتح جبهة إسرائيلية إيرانية، ولو كانت محدودة وضيقة تماما، من شأنه ان يزيد حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويوقع في اقتصادتها اضراراً بالغة ويجعلها تسارع في استيراد الاسلحة الأوروبية والأميركية بل وطلب الحماية وتعميق الاعتماد السياسي 
الاقتصادي.
وأخيراً فإن الغياب العربي المؤسف جعل المنطقة مسرحا للقوى الأجنبية الطامعة، وفي مقدمتها إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الإميركية، ولا يجدي هنا الاصطفاف مع الثعلب لمواجهة الذئب أو العكس، وان يأس الجماهير العربية من تماسك  وتحرك النظام العربي يدفعها لأن تنظر إلى الدول الأخرى التي تشاركها الدين أو المشاعر وكانها سوف تحارب نيابة عنها. ولكن الحقيقة الساطعة أن الأرض لا يحررها إلا أهلها، وهذا ما تعمل به المقاومة الفلسطينية، والأوطان لا يحميها ويبنيها الاّ مواطنوها وجنودها، وهذا ما نتطلع إليه دائما.

أميركا وإسرائيل.. أو بايدن ونتنياهو

في كل مرة يقع خلاف بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي يستغرق الكثيرون وقتهم وجهدهم في تحليل الخلاف وآثاره وتبعاته، وماذا قد يترتب عليه من تغيير في السياسة الأميركية. وبعد فترة قصيرة سرعان ما تنجلي الأمور، أو يأتي الرئيس الجديد هنا أو هناك ليعود الاحتضان الإميركي لإسرائيل أقوى مما كان. فهل الخلاف بين بايدن ونتنياهو يمثل خلافا حقيقياً بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل؟

الأردن الأخضر.. والانتظار الطويل

هذا الأسبوع، ودون أن ننسى للحظة جرائم التدمير والإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، وجرائم القتل والاعتقال والمصادرة في الضفة الغربية التي يصر عليها الكيان الصهيوني العنصري وسط هلامية الموقف الأميركي وغياب الفعل العربي، هذا الأسبوع ودعنا فصل الشتاء ليدخل الربيع في 21/3. ونعود بالذاكرة الى حوالي 30 سنة مضت، حين أعلن الراحل الملك الحسين رحمه الله ان عام 2000 سيكون عام الأردن الأخضر متابعة قراءة الأردن الأخضر.. والانتظار الطويل

ميناء غزة العائم.. الاحتيال أو الهروب

لم تمض 24 ساعة على إعلان الرئيس الأميركي بايدن قراره بانشاء ميناء عائم على شاطئ غزة، حتى سارع نتنياهو متقمصاً شخصية هتلر بأنه دائما صاحب القرار ليعلن “أن الميناء العائم فكرته هو، وأنه نقلها إلى الرئيس الأميركي”. فهل النوايا وراء إنشاء الميناء الذي يستلزم عمل 1000 جندي أميركي لمدة شهرين، هل النوايا إنسانية صادقة؟ أم أنها عملية تجميل للموقف الأميركي البشع المؤيد لإسرائيل، والمزود لها دون توقف بالمال والأسلحة والذخائر في حربها ضد 2.3 مليون فلسطيني من المدنيين في قطاع غزة؟ أم أنه باب غير مباشر لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة؟ وفي المقابل: هل تعجز الولايات المتحدة عن الضغط على إسرائيل لفتح المعابر والسماح بمرور الاحتياجات الإنسانية من غذاء وماء وكساء ودواء ووقود ومستلزمات البقاء الأخرى؟ بل والضغط عليها لإيقاف هذه الحرب المجنونة؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال، علينا قراءة الصورة التي رسمها اليمين الإسرائيلي  للحرب على غزة ومآلاتها في إطار رد الفعل الدولي. فقد أعلنت حكومة نتنياهو الحرب التدميرية الشاملة، وخلال أيام وبعد توافد القيادات الأميركية والأوروبية إلى تل أبيب وتدفق الخبراء والأسلحة والمعدات والأموال لتدعم الحرب تحولت  القيادة الصهيونية لتسخين جبهة الضفة الغربية والقدس “ولتوظيف الحرب في التخلص من القضية الفلسطينية بكاملها (إذا أمكن) عن طريق القتل والتهجير وتفكيك الأونروا وتطبيق تكتيكات الحرب العالمية الثانية”. ويوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وبعد انقضاء 165 يوما على الحرب الوحشية التي استخدمت فيها إسرائيل كامل قواتها العسكرية ووظفت كل وسائل القتل والتدمير، وأحالت مناطق عديدة من غزة الى مجرد ركام، وبعد أن قتلت 32 ألف مواطن بينهم 24 ألف طفل وامرأة وأصابت 75 ألفا آخرين ودمرت المرافق الصحية بكاملها وساوت المرافق التعليمية والأيوائية بالأرض، إضافة لما تقوم به بالضفة الغربية من حرب بطيئة ممنهجة، خلال كل ذلك، عمليا، لم تتحرك الأقطار العربية ولا المجتمع الدولي ولا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن لإجبار إسرائيل رغما عنها على وقف الحرب ووضع حد لهذا القتل والتدمير. وهنا “تأكد اليمين الصهيوني الحاكم، وعدم اعتراض أميركي خلف الستار، أن الباب مفتوح لتفعل إسرائيل ما تريد: قتل جماعي، تدمير، تهجير، تجويع، تعطيش، اغتيالات. وهنا توسعت الأحلام الاستعمارية الاحتلالية والإحلالية للكيان الصهيوني، فاستحضر صورة اليهود في ألمانيا: “معسكرات اعتقال ومحاصرة شاملة وبعد ذلك تهجير من يستطيع الى فلسطين عن طريق البحر”. لقد عاشت غزة سجنا جمعيا لمدة 17 سنة، واليوم وقد فقد الغزيون كل شيء تقريباً وأصبح التفكير يتركز حول الوجبة اليومية للإنسان بينما تغلق السلطة الإسرائيلية كافة المعابر، ستبدأ الإدارة الأميركية بايصال وجبات الطعام للغزيين من خلال الميناء العائم”، وتشجيعهم.. بشكل مباشر، أو غير مباشر، على الذهاب الى قبرص أو أي بلد آخر، ولو لفترة مؤقتة، حتى يعاد إعمار غزة وتستقر فيها الأوضاع”. وتتطلع إدارة نتنياهو، وإدارة بايدن بالخفاء، أن يستجيب الغزيون للعروض الأميركية غير المعلنة تحت ضغط قسوة الظروف التي خلقتها الحرب ونسجتها الوحشية الإسرائيلية الحاقدة مدعومة بالروح الاستعمارية التقليدية.

 


لقد وصل اليمين الاستعماري الصهيوني إلى قناعة كاملة بأن لا مستقبل لإسرائيل إلا باتباع مبدأ جابوتنسكي بالضغط بكل قوة على الفلسطينيين حتى الاستسلام وهنا يسهل التخلص منهم من خلال طردهم وتهجيرهم من الأرض الفلسطينية. وما نراه في الضفة الغربية من تدمير وتجريف ممنهج للبنية التحتية في القرى والمخيمات يهدف إلى إيصالها إلى ما يشبه الوضع في غزة. وإذا نجح التهجير عبر الميناء العائم فذلك سيكون فرصة لإعادة النموذج في الضفة وعن طريق البحر، بعد أن أعلنت الأردن أن تهجير الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن هو خط أحمر بل وإعلان حرب، وأعلنت مصر رفضها التهجير إلى سيناء. إن التهجير عبر البحر سوف يزيل عن كاهل إسرائيل عبء الصدام مع الأردن ومصر. وستعمل إسرائيل على أن تظهر الهجرة طوعية بل وإنسانية وذلك حين تضع الفلسطينيين في حالة من البؤس وفقدان كل مقومات الحياة إلى الدرجة التي ينتظر فيها الناس وجبة الطعام لتصلهم في الجو أو البحر عن طريق الميناء العائم.
وقد تكون القضية الفلسطينية تفتح فصلاً جديداً في تاريخها إذا تنبه الفلسطينيون إلى مؤامرة التهجير وأفسدوا هذه المؤامرة في الوقت المناسب. وهذا يستدعي العديد من الخطوات ربما في الاتجاه التالي أولاً: الإنهاء الفوري للانقسام الفلسطيني على مبدأ “لا غالب ولا ومغلوب” وقبول الفصائل المختلفة في منظمة التحرير وتوافق فتح وحماس نهائيا. فكلاهما مستهدف. ثانياً: تشكيل حكومة فلسطينية إصلاحية بمشاركة متكافئة ومن منظور المصلحة الفلسطينية العليا وليس المصلحة الفصائلية. ثالثاً: التنسيق مع الأقطار العربية الأكثر التزاماً بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها الأردن ثم مصر والعراق والكويت والسعودية لتعزيز صمود الفلسطينيين على أرضهم وتقديم المعونة بأشكالها المختلفة لهم. رابعاً: العمل على المستوى الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية عضواً كاملا في الأمم المتحدة، ورفع حماس والفصائل الأخرى من قائمة الإرهاب الأميركية الأوروبية.
لقد أثبتت إسرائيل بشكل قطعي أنها غير مستعدة لأي سلام وأنها تعمل بشكل ممنهج على تدمير الوجود الفلسطيني وابتلاع كامل الأراضي الفلسطينية بكل ما فيها وهي تعلم أن الجدار الذي يحول بينها وبين أطماعها الاستعمارية هو الصمود الفلسطيني في إطار نضالي موحد ومتماسك ومتفهم للتغيرات الدولية. فهل تمسك القوى الفلسطينية خيوط العملية في اللحظة المناسبة؟ تلك هي المسألة. متابعة قراءة ميناء غزة العائم.. الاحتيال أو الهروب

الأمن المائي.. في زمن شديد التقلبات

غالبا ما ينسينا فصل الشتاء وما يهطل فيه من امطار، ينسينا حرج الحالة المائية لدينا ومركزية الأمن المائي للسنوات القادمة في خضم التغيرات المناخية من جهة، والتقلبات الاقتصادية والسياسية العاصفة إقليميا ودوليا من جهة أخرى. ومن هنا حين نتحدث عن الأمن المائي يقفز مشروع الناقل الوطني إلى الصفحة الأولى ليحتل الأولوية. ومع تقدير الجهود المتميزة التي تبذلها وزارة المياه والري والمؤسسات التي تعمل معها أو تحت مظلتها في إدارة الشأن المائي، متابعة قراءة الأمن المائي.. في زمن شديد التقلبات